أسرار التحرير الثاني: رسائل في أكثر من اتجاه
ليست صدفة أو من باب رفع معنويات اللّبنانيين أو استحضار الإنجاز على طول السلسلة الشرقية للبلاد، كان إعداد وثائقي “أسرار التحرير الثاني” الذي عرضته قناة “المنار”. من تابع مجريات ما تضمنته الحلقات، يتيقن أنّ ثمة رسائل، وفي أكثر من اتجاه، أرادت المقاومة إيصالها، أبرزها يتعلّق بالعدو الإسرائيلي، المتأهب في الجليل، وأخرى تتعلق بالدول التي دعمت المسلحين في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ المواجهة في سوريا.
وكان ملفتًا في الحلقة الأخيرة الدمج المقصود بين العمليات العسكرية التي جرت على مدى أعوام في المناطق الحدودية مع سوريا، ومشهد مصدره مسيرة تابعة للمقاومة يظهر مقر قيادة فرقة الجليل التي يقودها العميد “شلومو بندر” في ثكنة “برانيط” شمال فلسطين المحتلة، وموقعًا عسكريًا سريًّا في مزارع شبعا.
يُفهم هنا أنّ الترابط الكبير بين المواجهة مع الكيان الإسرائيلي على طول الحدود والمشروع الذي كان يعدّ للفصل بين لبنان وسوريا عبر وكلاء. مضافًا إلى الرسالة العسكرية – الأمنية في تظهير المشهد حيث التقطت الصور في ظلّ تأهب العدو خلال مناورات “السهم الفتاك الأخيرة”.
أتقن معدّو الوثائقي والمشرفون على تمرير مشهدية المعارك وبعض تفاصليها، تمرير الرسائل بدقة، فلم يكن صدفة حديث بعض قادة العمليات وضباط الدراسات، خلال سرد مجريات العمليات في السلسلة الشرقية والقصير ذكر “الجليل” في شمال فلسطين المحتلة. الربط يؤكّد أنّ جزءًا من القتال في الجبال العاتية والقصير وريفها كان مرتبطًا من حيث التشابه الجيوغرافي مع معركة مقبلة لا محالة مع الكيان الإسرائيلي.
وهنا يمكن استخلاص بعض الرسائل:
– قدرة المقاومة على خوض معارك المدن والانتصار فيها، (من المؤكد أن مشهد اقتحام مدينة القصير وفي وقت وجيز حفر جيدًا في الذهن العسكري الإسرائيلي الذي يتحدّث عن حماية المستوطات)
– التحصينات على الحدود اللّبنانية – الفلسطينية وبناء العوائق لن يشكل مانعًا أمام أي تقدم لوحدات المقاومة حال نشوب حرب واتخاذ قرار بالسيطرة على الجليل.
– قدرات المقاومة النارية والتي قد تشلّ حركة العدو في أي معركة برية يمكن أن تقع معه.
نجحت المقاومة مبكرًا في تشخيص المشروع وعناصره والجهات التي تموّل وتسلّح وأساليب تمرير الأموال، وأجهزة الاستخبارات العربية والغربية التي تدير المسلّحين، وهو ما أظهرته الحلقات التمهيدية من الوثائقي. تمكّن المقاومة من التشخيص بدقة وانتقاء الزمان والتوقيت المناسب للدخول إلى سوريا وخوض المعركة، أشَّر إلى خوض حزب الله حربًا أو معركة أمنية مسبقة فكّك من خلالها “شيفرات” عناصر المشروع ممّا سهل عليه معرفة نقاط قوّة وضعف المجموعات الإرهابية المسلّحة، وهو ما سهّل عليه ضربها لحظة اتخاذ قرار دخول معركة حماية ظهر المقاومة أو ما اصطلح على تسميته بالدفاع المقدّس في سوريا.
إضافة إلى ما تقدم، يحمل الوثائقي رسائل مهمّة لبعض الجهات السياسية اللّبنانية، التي دعمت المسلّحين وأمّنت لهم غطاء إعلاميًا ولوجستيًا (تحت عنوان مساعدات)، كجزء من مشروع واستجابة لجهات عربية وبالطبع للأميركيين الذين حاولوا منع الجيش اللّبناني من خوض بعض المعارك عند الحدود. ولم يخف الوثائقي دور قوى لبنانية أخرى في الوقوف إلى جانب الجيش والمقاومة لإنهاء التواجد الإرهابي عند الحدود. فحوى الرسالة أنّ منطق الرهان على الخارج، سقط أمام تفعيل ثلاثية الماس (جيش – شعب – مقاومة)، وبالتالي هناك من أراد القول لمن تورط: عليك بالتبصّر.
لاتكفي صفحات لتدوين الرسائل وشرحها، لكن يمكن القول إنّ معدّي “أسرار التحرير الثاني” نجحوا في رسم صورة مبنيّة على الوقائع للبناء عليها مستقبلًا أمام أيّ مخاطر قد تحدق بلبنان، ومن أيّ جهة قد تأتي.
خليل نصر الله